كلمة السر هي التعليم
إن سألتني عن شيء أهمّ منَ الهواء والماء سأقولُ لك العلم والثقافة، لماذا؟ لأنّ المشكلة التي نُعاني مِنها في الوقت الحالي أو فيما مضى هوَ الجهل وقلّةِ اهتمام الإنسان العربي بزيادةِ الثقافة والتعلّم، فتخيّل أنّ نسبةِ الجهل بين الناس قليلة على سبيل المثال 15% فقط، فهل منَ المُمكن أن نعاني من مشاكل كالفقر والبطالة أو عدم إيجادِ سُبل عيش كريمة؟ وبالتالي العلمُ مُهم وسلاحٌ قوي مُمكن أن نرتقي بهِ بينَ الأمَم.
إن التعليم هو كلمة السر التي تجعل مجتمعنا ما نحلم به من أحلام اليقظة التي لا تفارقنا، وهو الذي يجعل الأرض القاحلة بساتين وزهورا ورياحين، التعليم هو المدخل الحقيقي لأي نهضة من الممكن أن تحدث في المستقبل، لهذا فأي بداية أخرى بغير هذه الانطلاقة المنطقية فهي حرث في البحر وصرخة في وادٍ سحيق لا تُجدي أي نفع بل هي كمن يريد أن يبني بيتاً فيبنيه بغير أساس ولا أعمدة فكان حتماً في يوم أن يسقط على رأسه.
فالحياة مزيج من العلم والعمل ولا مكان للكسالى فيها، فتطوير المعارف والمعلومات لا يتمّ إلا بالقراءة والتعليم الذي ينهض بالمجتمع، ففي التعليم خدمةٌ لوطننا التي نعيش فيها، وإرضاءٌ لله عز وجل ولرسوله الكريم، حيث كانت أول آيةٍ أنزلها الله تعالى على الرسول آيةً تحث على التعليم، وهذا دليلٌ واضحٌ على أهمية التعليم، حيث قال في محكم تنزيله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
لقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على أهمية التعليم، حيث قال (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، وقال أيضاً (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم) وهذا دلالة على فضل العلم والعلماء وتعظيمهم، وجعل الإسلام العلم طريقاً وسبيلاً للجنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة). قوّة المجتمع تكمن في أفراده المتعلمين الواعين، والقوة تزيد كلّما قلت نسبة الجهل، فالمجتمع المتعلّم يمتلك وعياً وثقافةً تمكّنه من حلّ جميع مشكلاته مهما كانت صعبةً، والتعليم ضروريٌ لكلّ من الفتى والفتاة في الحياة اليوميّة، فهو يساعدهم على رعاية الأبناء في كافّة مراحلهم العمريّة بشكلٍ إيجابيٍ وينعكس على حياتهم وأهلهم ومجتمعهم في المستقبل بشكلٍ فاعلٍ، كما أنّ التعليم يؤمّن للمتعلّم عملاً شريفاً يعود عليه بالمال الذي يستطيع من خلاله تلبيه حاجاته الضروريّة بعيداً عن العوز والتقليل من كرامته.
بل يعتبر العلم الطريق الوحيد المتاح أمام المجتمعات الذي يتوجب عليها سلوكه للوصول إلى الحقائق ومعرفتها، وكي يكون الفرد متعلماً فإنه سيبذل الكثير من الجهد، فالوصول إلى المعرفة الأكيدة ليس بالأمر السهل فهو يحتاج إلى الكثير من البحث والتعب، فالعلم بحر واسع وعميق المدى مهما أبحر الإنسان وغاص في أعماقه فإنّه لن يستطيع أن يدرك منه شيئاً، أي أن الإنسان مهما كانت مكانته العلمية فإنّه لم يؤتَ من العلم إلا القليل، كما جاء في قوله جل وعلا: “وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”، فكل يوم تحدث تطورات وأمور جديدة لم تكن موجودة من قبل، وكل يوم يتم اكتشاف أشياء كانت مبهمة ومخفاه ولم نكن لنعلم عنها شيئاً، ونجد أن العلم ذو مجالات واسعة ومختلفة، وكل فرد منا يجذبه مجال معين من هذه المجالات ليتعمق ويبحث به، لكن لا ينتهي العلم عند الحصول على المعرفة وإحتكارها لدى فرد واحد فقط، بل يجب إيصالها إلى الآخرين من خلال عملية التعليم.
الشخص المتعلّم يتمكّن من غرس أفكارٍ وقيم ومبادئ نبيلةٍ في نفوس أصدقائه وعائلته ومجتمعه، ممّا يزيد من وعيهم وإدراكهم للمهام المنوطة بهم، كما تزيد قدرتهم على اتخاذ القرارت الصائبة بكثير من أمور الحياة؛ لأنه سيصبح عندهم نظرةً واسعةً للحياة والمستقبل، ومهارات الشخص المتعلّم هي أفضل اسثتمار لأسرته ولمجتمعه الذي يلقى كل الإحترام والتقدير منهم.
ويعمل التعليم على محو نسبة الأمية في المجتمع أو تقليلها، ويعطي الإنسان المعلومات في شتى المجالات ويوسّع مدى الفكر لديه ويعطيه قدرة على الإبتكار، والإختراع، والتخيّل، والإبداع في كثيرٍ من الأمور، ممّا يزيد من ثقته بنفسه ويحميه من الخوف والمواجهة فالعلم سلاح وقوّة.
يآخي التعليم بين أفراد المجتمع الواحد، ويلغي الإختلافات الدينية والعرقية الموجودة بين أفراد المجتمع؛ فالعلم وحده هو من يجمع الأفراد من الديانات المختلفة على نفس مقاعد الدراسة ليتلقون نفس الدروس العلمية، وهو ذاته الذي يجمع بين الأبيض والأسود على نفس المقعد، وبهذا فإنّ العلم والتعليم يقوّي العلاقات الاجتماعيّة بين الأفراد المختلفين ويرقى بحضارتهم، ويجعلهم قادرين على مواجهة كلّ التحديات، على عكس التفرقة التي تخلخل نظام المجتمع وتزعزع قواه.
إن السلبية هي أخطر داء قد يصيب عموم الناس، فذلك يعتبر عبء على وطنه والعقبة الأخطر في طريقه نحو الرقي والتقدم، ومن أهمية التعليم إنه ينتج مواطناً واعياً بقضايا وطنه وهمومه، ذو فاعلية يعرف حقوقه السياسية ويمارسها، ولكن التجارب السابقة أثبتت إن إصلاح المنظومة السياسية يبدأ بإصلاح المؤسسات التعليمية، كي تفرز مواطناً قادراً على ممارسة حقوقه، يدرك أهمية صوته وخطورة إختياره، فلا تخدعه الوعود الوهمية الزائفة ويتمكن من تقييم برامج المرشحين.. إلخ.
عندما أتأمل الفرق المفزع بين التعليم في دول العالم الثالث ونحن منها، والتعليم في دول النهوض والإبتكار والإبداع، أن التعليم عندنا لم يؤمن بعد بأنه وسيلة لبناء ذات قادرة على أن تتعلم هي تلقائياً، ولهذا فهو تعليم تلقيني مجرد ينتهي مفعوله بإنتهاء إمتحان يُفضي إلى شهادة ثم البحث عن وظيفة قد تتوفر وقد لا تتوفر، فيما التعليم عندهم هو نهج شمولي يبني شخصية مجتمعية مؤهلة للبحث والإستكشاف والملاحظة ومقاربة الإبداع في إمتلاك المعلومة، وبالتالي الأهلية الكاملة للتعلم ذاتياً وليس إنتظار تلقي التعليم من الآخر كما هو حالنا! ولهذا وكتحصيل حاصل، هم منتجون، ونحن سعداء بأننا مجرد مستهلكين لمخرجات عقولهم ! .
يجب أن ندرك جيداً بأن التعليم تحديداً هو المصنع الذي ينتج سلعة قيمية راقية هي الإنسان، ومن هنا فمن يرغب في أن يتحلل من كل أدران التخلف ومنغصات الحياة لينفذ عمليا إلى حياة أفضل وسلوك آدمي أفضل وحاضر افضل ومستقبل افضل، لا حل أمامه سوى حل واحد هو إعادة نظر شاملة في مجمل النهج التربوي التعليمي، ورسم أهداف سامية لهذا القطاع الاستراتيجي تترجمها برامج عملية سامية أيضاً، لإنتاج فرد أفضل ومجتمع أفضل بالتالي، وليس ذلك بالامر العسير أبداً أبداً….
في الآونة الأخيرة عانت بعض الدول العربية من ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني، وهنا يجب أن نعترف إن من الأسباب الرئيسية لتنامي تلك الأفكار الشاذة، والبعيدة كل البعد عن دين الإسلام وأحكامه وشريعته، هو غياب الوعي وتفشي الجهل وتسطح الفكر، وهنا نتبين أهمية التعليم ودوره في حماية الشعوب، فالتعليم يُساهم في تأهيل إنسان يتسم بالاتزان الفكري، لديه القدرة على إعمال علم المنطق، وتحليل الأمور بعقلانية وتروي وتبين الصالح منها من الطالح، باختصار فإن المنظومة التعليمية إن صلحت من المستحيل أن يُجني المجتمع عقولاً فاسدة.
بل وتشكوا البنية التعليمية في مجتمعنا من إزدياد عدد الطلاب وقلة الأماكن الدراسية، وفوضى المناهج الدراسية، وأحياناً صعوبتها وعدم ملاءمتها للتدريس، وعدم الإهتمام بتطوير وتنمية الكادر التدريسي، مما يثقل كاهل العملية التعليمية. أما البحث العلمي ضعيف جداً، ولا يوجد له قيادة أو إحتضان ولا تمويل ولا ميزانية محددة، وضعف روح التعاون بين الباحث والمراكز البحثية، وعدم إستمرارية التراكم المعرفي، وإنعدام الصلة بين الباحث وثقافة المجتمع. وكما لا يوجد إهتمام بعملية الإبداع والمبدعين، حيث يقتصر التعليم على الطابع التقليدي، دون وجود الكثير من الأنشطة اللامنهجية، وإن وجدت فهي قليلة جداً لا تكاد تذكر بالنسبة لدول غربية أخرى. ويبقى الأسلوب التعليمي هو أساس سير العملية التعليمية سواءً كان متطور، أو تقليدي قاصر، ويأمل الكثير من طلبة العلم بالحصول عليه بطريقة حديثة ومتطورة وجذابة.
لنتذكر جميعاً.. فعلى سبيل المثال نجد أن اليابان تغلبت على الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، في نسبة الطلاب المتفوقون في العلوم والرياضيات، ويعرف الطالب الياباني الذي يبلغ الرابعة عشر من عمره ما يعرفه الطالب الأمريكي البالغ ثمانية عشر من عمره، واعتبرت اليابان الإنسان مورد بشري يجب تنميته وإستغلاله وإنباته في بيئة حسنة، لهذا خصصت جزء كبير من ميزانية الدولة لقطاع التعليم في الوقت الذي لم تشجعها فيه دول أخرى، لكنها حصدت عقول يانعة؛ فأظهرت إقتصاد قوي وصناعة عالمية، وأصبحت تقود العالم باختراعاتها المتتالية.
عزيزي القارئ.. إن المجتمعات المزدهرة هي من أكثر المجتمعات قوةً وهيمنةً في هذا العالم، وحتى يكون المجتمع قوياً ومتطوراً لا بدّ له من أن يقوم على عدّة مقوّمات أبرزها العلم، فبدون العلم لما قامت المجتمعات البشرية وتطوّرت وإزدهرت ووصلت إلى ما هي عليه في وقتنا الحالي، وقد حث ديننا الحنيف دائماً على العلم وتعليم الآخرين، وكان أول ما أمر به الله جلّ وعلا رسوله الكريم هو العلم في قوله: “إقرأ”، فالقراءة مقصدها هنا التعلم وبالأخص تعلم الدين الإسلامي، فلا يمكن لأي مسلم أن يعبد الله عزوجل دون أن يكون على علم بأحكام الدين الإسلامي، وقد فضل الله سبحانه وتعالى المسلم المتعلم على غير المتعلم في قوله الكريم: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ”.
إن تطوير التعليم ليس بالصعوبة التي يتخيلها البعض ولكنه يحتاج إلى التخطيط السليم والقدرة علي التنفيذ خلال وقت قصير. والله ولي التوفيق.
الدكتور / رمضان حسين الشيخ
الرئيس التنفيذي لـ شـركة تبيان التعليمية
إستشاري الإدارة والتطوير التنظيمي والموارد البشـرية
مصمم منهج فرسان التميز لتغيير وتطوير المؤسسات