كيف نتعايش مع ضغوط الحياة اليومية ؟
إن الحياة هي الفرصة التي وهبها الله سبحانه وتعالي لكل إنسان منا، وهي التي من خلالها يمكنه أن يصل إلى أسمى المعالي، والحياة هي المنزل الكبيرة الذي يجمع كل مخلوقات الله عز وجل، وهي التي نتفاعل بشكل إيجابي معها، دون التدخلات البشرية الغير مشروعة، فالحياة فرصة يجب على كلّ الناس منا اغتنامها وبحسب ما يراه مناسباً له ولأسرته، فهي قصيرة، ويجب الحرص على عدم إهدارها في الأعمال السيئة والغير مجدية، المتمثلة في النزاعات والخلافات الدنيوية، كما أنّ الحياة ثمينة، وهي رأس مال الإنسان.
هنالك اختلاف بين الحياة التي نعيشها في الوقت الحاضر، والحياة التي كانت سائدة بالماضي، ففي الماضي كانت الحياة أسهل وأبسط من جميع النواحي، على خلاف هذه الأيام التي أصبحت صعبة ومعقدة، فهي تحتاج إلى بذل جهد من أجل توفير إحتياجات ومتطلبات الحياة اليومية.
وذكرت صعوبة حياة الانسان وما يحيطها في القرآن الكريم في قوله تعالى :”لقد خلقنا الإنسان في كبد”، والكبد هوَ مشاقّ الحياة وضنكها وصعوباتها التي تأتي على الإنسان من لحظة ولادته وحتّى موته، فلا يوجد أحد مُتمّع بحياته بالكُليّة وإنّما تواجهه الضغوط التي تتسمّ بها الحياة وخصوصاً في هذا العصر الذي زادت فيه الإلتزامات والضغوطات الحياتيّة عن السابق بكثير. فالتطور الذي نعيشه جعل متطلبات الحياة اليومية تتضاعف عما كانت عليه في السابق، مما أدى إلى العيش بضغوطات مستمرّة حتى يستطيع القيام بتوفيرها.
إن ضُغوط الحياة ما هي إلا جُملة الأعباء التي تفرضها الحياة على الإنسان بالتزاماتها تجاه الشخص نفسه وتجاه بيته وأولاده ومُجتمعه، وليست بالضرورة أن تكون هذهِ الضُغوط أموراً سلبيّة كالمرض والفقر وغيره، بل مُن الممكن أن تكون كثرة المال سبباً في الضغوطات المستمرّة التي يتعرّض لها الشخص من حيث المُحافظة على رأس المال وتنميته ومراقبة المشاريع وإدارتها، وما يتّصل بهذا الجانب أيضاُ من العمل.
وفي ظل إيقاع الحياة المتسارع، والواجبات المنوطة بنا، أصبحت الضغوط الحياتية تشكل عبئاً كبيراً علينا لدرجة أنها تفقدنا أحياناً توازننا، وتفرض علينا في الوقت نفسه خيارات كثيرة ربما يكون أحلاها مراً، وإذا كان لا بد من الوقوع تحت وطأة هذه الضغوط، فإنه من الضروري أن نتلاءم معها حتى لا تكبلنا وتقودنا للفشل وتجعلنا فريسة للمرض النفسي، ومن وجهة نظري المتواضعة أستطيع ان أقوم بألقاء الضوء على أهم الضغوطات الحياتية التي يعاني منها أكثر الناس في أيامنا هذه ومنها :
- ضغوطات تأمين الرزق: وهو ما يُقلق بال الكثيرين اليوم، فتراه في همّ دائم وتفكير مُستمرّ في كيفيّة تأمين المال الذي يستطيع منهُ الإنفاق على نفسه وبيته، وينتشر هذا القلق وهذا الضغط النفسيّ لدى كثيرين من الناس خُصوصاً في المنطقة العربيّة ولا سيّما منها التي تُعاني من شُّحّ الإمكانات الماليّة والمصادر الطبيعيّة، والحلّ لهذا الأمر أن يكون الشخص مؤمنا بقسمة الله بعد الأخذ بالأسباب؛ لأنَّ الرزق بأمر الله ومن عند الله.
- ضغوطات العمل: يقع هذا الضغط الحياتيّ المُستمرّ على الطبقة العاملة سواءً في الوظائف الخاصّة أو الحُكوميّة، حيث يُقلق بال الكثيرين الترقّي الوظيفيّ أو ربّما التسريح من العمل، أو حتّى حجم العمل الذي يقع على عاتق الموظّف ولا يستطيع دفعه إلاّ بالعمل المُستمرّ ولساعات طويلة وهو ما يُشكّل اجهاداً نفسيّا وجسديّاً.
- الضغوطات التعليميّة: وهو الضغط الناتج عن السعي المُستمرّ والتفكير في الحُصول على الدرجات العلميّة والخوض في غِمار الدراسة والسعي نحوَ التفوّق، وفي وسط هذهِ الأهداف الإيجابيّة تتشكّل لديك ضُغوط نفسيّة اضافيّة بضرورة تحقيق الهدف الخاصّ بك فينجم عن ذلك ربّما التوتّر والقلق أحياناً.
- ضُغوطات عامّة: وهي ما تتشكّل لدى الإنسان بفعل المُحيط الذي يعيش فيه كالغلاء المعيشيّ الذي يواجهه الكثير من الناس، والضغوطات التي تفرضها المراحل السياسيّة في أي دولة، وضُغوطات الآباء على الأبناء، والضغوطات على الأهل في حُسن التربية للأطفال لديهم وتعليمهم واخراجهم بأحسن صورة للمجتمع …….إلخ.
ويجب عليك أن تتذكر دوماً بأن هناك مقولة تقول أن 90% من ضغوطات الحياة التي نتعرض لها لا تكون بسبب المشكلة إنما بسبب طريقة تفكيرنا فيها، لا تفكر في أسوء الاحتمالات التي ستحدث، بل وفر طاقتك للتفكير في حل للمشكلة، درب نفسك على التفكير بطريقة أكثر إيجابية، وتأكد أن ما تفكر فيه ستحصل عليه، فإذا فكرت في المشاكل والضغوطات لن تجنى سوى المزيد منها.
أما إذا كنت من الأشخاص الذين لا يجيدون التعامل عند التعرض للضغوطات، فقد حان الوقت للتخلص من هذه العادة، بدل أن تتوتر بشدة وتعقد الأمور أكثر حاول أن تبتعد قليلاً عن المشكلة والتفكير فيها حتى تهدأ أعصابك، ثم فكر فيها وحللها بطريقة منطقية حتى تجد السبب الأساسي لها، عندها ستتمكن من إيجاد الحل المناسب بمنتهى السهولة.
ومع ذلك ألاحظ ومع تسارع وتيرة الحياة والتعرض المستمر للضغوطات، سواءً كان في المنزل أو العمل أو الدراسة، قد يصاب الإنسان بحالة إجهاد مستمر، فيصاب بالتعب من أقل مجهود ولا يستطيع مواصلة حياته بشكل جيد، إن كنت تعاني من هذه الحالة بشكل مستمر ودون سبب واضح فلابد من وقفة! هذه طريقة جسدك لإخبارك أن هناك شيء ما خاطئ، وأنه لا يستطيع تحمل المزيد من ضغوطات الحياة، حينها يجب أن تستمع له وتغير أسلوب حياتك فتبتعد قدر الإمكان عن كل شيء يصيبك بالتوتر، لكن ما هي الطريقة المثلى لكي تنظم حياتك بشكل جيد وتقلل التوتر والإجهاد قدر الإمكان.
لذا عزيزي القارئ، أضع بين يديك مجموعة من الخطوات العملية ذات الفائدة التي يجب القيام بها في التعامل مع ضغوط الحياة اليومية وتتمثل في التالي:
- قناعة وإيمان الإنسان بما كتب وقدر له، فهذه القناعة تبعث في نفسه الراحة والطمأنينة، بأنه لن يحصل على شئ إلا ما كتبه الله تعالى له، فمهما تعب وجَدّ لن يأخذ أكثر من المقسوم له في حياته.
- الحديث والفضفضة عما يجول في خاطره ويتعبه لأشخاص يثق بهم ويشعر بالراحة والطمأنينة معهم، لأنه عندما يقوم الشخص بتفريغ كل ما بداخله، سوف يشعر بالراحة وكأنه جبل موضوع على صدره، وقام بالتخلص منه، فهناك البعض يكتمون هذه الضغوطات والهموم في داخلهم، لأنهم يعتقدون أنها من القوة عدم التحدث مع الآخرين، وهذا الإعتقاد خاطئ، لأنه يجب مشاركة الآخرين في الكثير من الأمور.
- عند التعرض لمشكلة في الحياة، وتؤدي هذه المشكلة إلى ضغط نفسي عند هذا الشخص، يجب عليه القيام بالتفكير بطريقة لحل هذه المشكلة من جذورها، وتجنب إنحصار تفكيره في هذه المشكلة التي قد تؤدي إلى حدوث ضغوط في حياته.
- في حال وجد الشخص حلاً لمشكلته، يجب عليه القيام بتنفيذه على الفور والتوكل على الله في جميع الأمور، لأنه في هذه الحالة سوف يكون قد بذل كل ما بوسعه لإيجاد الحل، فإن لم يكن الحل مناسب للمشكلة، عليه القيام بالبحث عن طرق أخرى لحلها.
- يجب أن يضع أمام عينه النتائج السلبية لهذه الضغوطات على صحته، فهو عندما يتعرض لضغوطات كبيرة، يكون قد عمل على بداية هلاك صحته والذهاب بها إلى الهاوية، فيجب عليه تجاوز جميع الضغوطات، بأقل خسائر صحية وجسدية ممكنة.
- عند الشعور بضغوطات كبيرة ليس عيباً أن يقوم الشخص بطلب المساعدة من غيره، فيستطيع التوجهَ إلى المختصين في هذه الأمور، لأنهم على معرفة ودراية كبيرة بمثل هذه الحالات، ويكون لديهم الحلول الجذرية لهذه الضغوطات.
- عند تعرض الشخص لأي مشكلة من مشاكل الحياة، يستطيع هذا الشخص الإستعانة والإستفادة من تجارب الآخرين، لأن كل شخص معرض لكثير من المشاكل التي قد تواجهه في حياته، وتعمل بدورها على حدوث الضغوطات الحياتية، فيجب تجنب الإستخفاف بتجارب الغير، لأنها قد تكون حلاً مناسباً لمشاكل هذا الشخص.
يجب أن تدرك جيداً أن لا شيء يستحق العناء والتوتر، كل الأوقات الحالكة ستمر مهما كانت، لكن الأمراض التي ستحصل عليها نتيجة التوتر وضغوط الحياة ستبقى معك للأبد، لذلك حاول قدر الإمكان أن تتعامل مع الأمور ببساطة، وثق بأن القادم أجمل وأفضل باذن الله مهما بدت الأمور سيئة.
وبالتالي نجد أن هناك واجب عليك تجاه نفسك إذا كنت تريد أن تستمر بالنجاح في حياتك.. تعرف على علامات الضغوط على جسمك، لا تنكر تأثيرها عليك وتقول “عادى” حتى تصل إلى درجة الإجهاد المزعج، لا تتوقف عن تفريغ شحنات الضغوط اليومية أولا بأول.
تذكر دوماً… إن الله لم يمنحك قدمين إلا لتقف عليهم شامخاً بقوة في وجه الريح، ولم يعطك العقل إلا لتحطم معوقاتك الداخلية وتنطلق في آفاق النجاح والفلاح.
الدكتور / رمضان حسين الشيخ
الرئيس التنفيذي لـ شـركة تبيان التعليمية
إستشاري الإدارة والتطوير التنظيمي والموارد البشـرية
مصمم منهج فرسان التميز لتغيير وتطوير المؤسسات