كيف نصنع الفشل في حياتنا؟
أتحدى أن يتجرأ أحد على سنن الله في الكون ويفتخر بأن التوفيق لازمه على طول حياته. لذا فإنني أعتبر الفشل هو صقل لتجارب الواحد منا واصلاح لمنحنى حياتنا وكأن الفشل سبباً في النجاح لا يتم إلا به وحتى تتذوق لذة النجاح لابد من الفشل.. إذن الفشل وارد جداً ما دمت قد قررت أن تصنع أو تعمل شيئاً والإخفاق قريب من أي شخص أراد التغير والذي كثير العمل والإجتهاد تكثر أخطاؤه بعكس الذي لا يفعل شيئاً ويعمل لنفسه أو مجتمعه أي إيجابية. والرد المناسب للفشل هو النجاح ثم النجاح والتعامل الأمثل مع الإخفاق يكون بتكرار التجربة ودراسة الأسباب للتغلب عليها.
ما قيمة حياتنا إذا كانت خالية من النجاح؟ حسناً وما قيمتها إن كانت خالية من الفشل؟ الأمران سيان، لا قيمة لها، الجميل هو أن يكون لديك خليط من هذا وذاك. إليك المعادلة: قليل من الفشل، قليل من النجاح، وكثير من الفشل، كثير من النجاح.
إن كثيرًا من الناس أقعدتهم التجارب الفاشلة، نالوا حظهم من الإخفاق فأغلقوا باب التجربة والعمل، وهؤلاء – لا غير – هم الفاشلون مع أن منهم من كان قريباً جداً من النجاح حينما قرر التوقف والإستسلام للفشل ! نعم .. كثيراً من البشر يتوقفون ليجنوا مرارة الفشل ولا يدركون كم كانوا قريبين لو تسلحوا بالصبر والعزيمة من النجاح والتفوق .
فعندما أتأمل في واقع الشباب هذه الأيام لم أجد صناعةً رائجة بينهم كـ صناعة الفشل، فالكثير منهم يُتقنها ويتفنن فيها، ويُحسن ترويجها بين أقرانه، وهم وإن كانوا لا يجدون ما يعملون إلا أنهم يرتاحون إلى قناعاتهم المريضة عن حظهم السيئ وأقدارهم المشؤومة ودنياهم الظالمة.. يجلس أحدهم على المقهى وحوله (شِلَّةٌ) تشبهه، ثم يبدأ اجترار ماضيه الفاشل الذي لا يمل تكراره : “لقد سعيتُ كثيراً وطرقتُ جميع الأبواب.. حاولت أن ألتحق بوظيفة حكومية ولكني فشلت لأني لا أملك واسطة.. ذهبت إلى القطاع الخاص فلم يكن أحسن حالاً من الوظائف الحكومية لأن مرتباتهم لا تكفي ثمن (سجائري)، وهم مع هذا يطلبون مني (دواماً) يأكل شطر نهاري وجزءاً من ليلي.
أما المشاريع التجارية فَحدِّث ولا حرج، لقد أضعت كثيراً من المال الذي اقترضه على هذه المشاريع، وجريت وراء وهم الثراء والتجارة حتى خسرت كل شئ.. عندما تتاجر لابد أن تبدأ كبيراً حتى تظل كبيراً، أما أن تقنع بما يقنع به الحالمون الذين يريدون صعود السلم من أوله، أو يتفلسفون على الناس ويقولون: طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، فهذا جنون.. سيضيع عمرك هباءً ولن تجد من يلتفت إليك ، بينما غيرك يتقلب في مباهج الدنيا ومتع الحياة.. انظروا إلى صديقنا (فلان) هل مؤهلاته تمكنه من الالتحاق بتلك الوظيفة التي إلتحق بها؟ أبداً.. ولكن للواسطة سحر سريع المفعول.
وصديقنا (فـلان) الذي يملك سيارة (آخر موديل) هل اشتراها بكده وجهده؟ أبداً.. إنما السعيد من يخرج للدنيا ليجد أباُ غنياً وعائلة ميسورة.. وصاحبنا (فـلان) الذي لم يعد يجلس معنا لأنه – كما يدَّعِي – يدير مشروعاً تجارياً ضخماً، من أين هبطت عليه هذه النعمة؟! ما الذي يملكه هو ولا نملكه نحن؟!.. لقد كان (أكسل) تلميذٍ في مدرستنا فمن أين أتاه هذا العقل وهذه الحكمة؟!.. الذي أعرفه أن هذه الدنيا لا ينجح فيها إلا الأغنياء وأصحاب السلطة والنفوذ.. إنها لا تمنح غيرهم ولا تبتسم لسواهم ولا تشيح بوجهها إلا عن التعساء غير المحظوظين أمثالنا.. ثم يتناول شربة من فنجانه، ويسحب نفساً عميقاً من (سيجارته)، ويُقنع نفسه أنه بهذا قد أدى ما عليه وعلى الحظ والظروف أن تتكفل بالباقي.
هذا الشاب ـ وأمثاله كثيرـ لم ير من الواقع غير النقاط السوداء العالقة بالثوب الأبيض، ولو إفترضنا ـ جدلاً ـ أن غالبية الثوب مجللة بالسواد فهل معنى هذا أن نحرق الثوب كله، ونكون كـ الذي (يحرق اللحاف من أجل برغوث) كما يقول المثل العامي.. صاحبنا هذا يريد أن يحرق الثوب ويحرق نفسه ويحرق من حوله.. ما الذي سيستفيده من تذكر ماضيه الفاشل والبكاء على نفسه، وجلوسه في المقاهي، وتسكعه في الشوارع، ما الذي أضافه إلى رصيده العملي، العلمي، الاسري أو المالي، إنه على عجلة من أمره دائماً.. يحلم ليلاً ويريد تحقيق حلمه صباحاً ، فإذا لم يتحقق فإن الواقع سيئ، والثوب أسود، والدنيا ليست للعباقرة. وهذه طفولة عقلية نتجت عن جهل شديد بطبيعة الحياة وسنن الله الكونية؛ فكل شيئ له وقته ومجاله وترتيباته وأسبابه التي لا بد من الأخذ بها فقال الله في محكم تنزيلة “وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا” سورة مريم 25، ألم تر أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذع يساقط الرطب ولو شاء أن تجنيه من غير هزه جنته ولكن كل شيء له سبب.
ثم لنفترض أنه أخذ بالأسباب، ورمى نفسه في غمار تجربة ففشل فيها ما الذي سيحدث؟ أغلب الظن أنه سيجلس في بيته يندب حظه، ويلعن ظروفه.. وكأنه لم يعلم أن (توماس أديسون) أجرى ألف تجربة فاشلة قبل أن يتوصل للتجربة الأخيرة الناجحة في اختراع المصباح الكهربائي، وأن (هنري فورد) أصيب بالإفلاس خمس مرات قبل أن ينجح في اختراع سيارته، وأن (ابراهام لنكولن) فشل في عمله مرتين وفشل في الانتخابات ست مرات قبل أن يصبح رئيساً لأمريكا وهو في الستين من عمره ليقول بعد هذا المشوار الطويل: ( إنك لن تفشل إلا إذا انسحبت).
ولعل الجميع يعلم جيداً اسم “ستيف جوبز” ذلك العبقري مؤسس امبراطورية ابل، ولكن هل نعلم أن هذا العبقري تعرض لفشل ذريع في مقتبل حياته العملية وهو بسن الخامسة والعشرين؟ نعم لقد تعرض للفشل والطرد من الشركة التي شارك في تأسيسها مع عدد من اصحابه، ولكن هذا لم يمنعه من المحاولة مرة اخرى وتأسيس ما نعرفه الآن بعملاق التكنولوجيا الحديثة “ابل”.
أيها القارئ الكريم: إن مفاتيح النجاح أكثر من أن تحصى ولكني لم أجد أجدى في الوصول إلى النجاح من (الصبر والإصرار والدافع) هذه المفاتيح الثلاثة كفيلة بإيصال صاحبها إلى ما يريد.. يُروى أن شاباً صينياً سأل حكيماً من حكماء قومه عن مفتاح النجاح فأحضر الحكيم إناءً فيه ماء وأمر الشاب أن ينظر فيه، وحين قرَّب الشابُ وجهه من الإناء أطبق الحكيم على رأسه بكل قوته وغمرها في الماء، حاول الشاب رفع رأسه ليتنفس، ولكن الحكيم كان قد تمكن منه وحين أحس بالغرق استجمع قواه ورفع رأسه فرمى الحكيمَ بعيداً.. استغرب الشاب من هذا التصرف فقال له الحكيم : هل رأيت مدى حاجتك للهواء؟ قال الشاب: نعم، فقال الحكيم: هكذا النجاح لا بد أن تطلبه كطلبك للهواء.. لقد حاول الشاب مراراً أن يتخلص من قبضة الحكيم القوية ولكنه لم ينجح إلا بعد أن أحس بالغرق، هذا هو الدافع.. نجح الشاب عندما إنطلقت قواه الخفية معتمدة على دوافعه القوية، وهذا ما عناه سقراط بقوله : (إذا وصلت رغبتك في الحصول على الحكمة درجة رغبتك في الحصول على الحياة لحظة الغرق ستحصل على الحكمة).
قرأت عن حياة لاعب السلة الأسطوري مايكل جوردان وكيف نجح، أنه: “بعد استبعاده من فريق كرة السله في مدرسته، ذهب إلى منزله وأغلق الباب ولاذ بالبكاء ثم نهض ليبدأ مشوار نجاحه، وأصبح أفضل لاعب سلة في التاريخ” أما مايكل فيقول عن نفسه: “لقد أخطات الهدف في أكثر من تسعة آلاف رمية خلال حياتي الاحترافية، وخسرت أكثر من ثلاثمائة مباراة، وفي ست وعشرين مرة كنت المؤتمن على رمية الفوز الحاسمة وأخطات الهدف. لقد أخفقت في حياتي مرة بعد مرة، ولذلك تراني اليوم ناجحاً.
إن النجاح لا يعني حصانة ضد الفشل وكذلك الفشل لا يعني استحالة النجاح بل إن البعض ليرى أنه ليس هناك فشل في الحياة ولكن خبرات مكتسبة من تجارب سابقة ؛ فالأعمال الصائبة تأتي بعد الخبرة المكتسبة من الأعمال الخاطئة، وأنت لن تعرف الصواب حتى تقع في الخطأ، وبضدها تتمايز الأشياء إن طريق النجاح لا يكون عادة مفروشًا بالورود والرياحين، والذين حققوا إنجازات باهرة في حياتهم، وخلد التاريخ أسماءهم كثيراً ما تجرعوا مرارة الإخفاق قبل أن يذوقوا حلاوة النجاح . وهذا ما صوره لنا ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر بحوار متخيل طريف بين الماء والزيت فهما كلما اختلطا في إناء ارتفع الزيت على سطح الماء فيقول الماء للزيت: أين الأدب معي، لِمَ ترتفع عليَّ وأنا الذي أنْبَتُّ شجرتك؟ فيرد الزيت: لأني صبرت على ألم العصر والطحن بينما أنت تجري في الأنهار في سلامة ودعة، وبالصبر يرتفع القَدْر.
إن الذين يريدون الجلوس على المكاتب من العاشرة صباحاً إلى الواحدة ظهراً ثم يذهبون إلى بيوتهم مقنعين أنفسهم أنهم كانوا في عمل حقيقي يستحقون عليه مرتباً ضخماً لن ينجحوا أبداً وإن بدا للناظر السطحي أنهم من الناجحين. أخبرني بعض الشباب المجدين الذين يبدأون عملهم بعد الفجر ويعودون قبيل منتصف الليل، وهو صاحب شركة مقاولات ناجحة قال: (إن الله ليستحي من عبده أن يخرج صباحاً ويعود ليلاً ثم لا يرزقه).. هل تريد أن تكون مثل هذا الشاب المُجِدِّ الذي أنشأ شركة ناجحة بكده وتعبه وصبره أم تريد أن تكون مثل صاحبنا الأول تجلس على المقاهي تندب حظك وتلعن ظروفك وتصبح صفراً بين الأصفار.. إختر أنت ثم قرر ماذا ستكون عليه خلال سنوات قليلة.
يستفزني الشخص الناقم على المجتمع والحياة والفرح الذي يحاول إنتقاد أي شيء جميل لمجرد أن يخالف الخط السائد، شخصياً لا أحب أن أزدري أي فن أو مجال أو عمل، أحب أن أنشغل بكيف تم ذلك، وليس لماذا تم. وبين هذين التساؤلين يكمن السر، كم هو جميل أن يجرب الإنسان كل شيء، أن يتوغل في فك رموز الكون ويستعمل كل أدواته، ثم يسخر ذلك لعمل نبيل، أو على الأقل مفيد. أعلم تماماً بأن الناس يملكون إستعداداً لفعل أشياء لم يتوقعوا فعلها ذات يوم متى ما واتتهم الفرصة المناسبة.
يستفزني أيضاً الشخص اليائس، ذلك الشخص الذي يتصور أن القدر يهتم بمحاربته، وأنه لا فائدة من كل هذا. ويغيظني حقاً أن شخصاً لا يهتم بذلك الكنز المدفون بداخله، أن يقضي عمره مفتشاً عن المال أو الراحة أو أمور الحياة الجانبية ولا يفتش عن ذاته ولو لمرة. أنا أتعجب كيف تكون الحياة بهذه التفاهة، وكيف يحق لإنسان ما أن يخطو بثبات نحو الموت. ولا يمكن أن أكون أبداً على هامش الكون، لا يمكن أن أتوكأ على جدار من الورق، ذلك وهم كبير، أن أظن ولو لمرة بأن وجودي أمر بهذه الضآلة، عبث أن أشنق حلماً ما قبل أن أدعه يقطع أشواطاً من المحاولات، ثم ألعن الحظ والقدر والوجود.
أيها القارئ الكريم: إذا تفحصنا الأسلوب الذي يتعامل به أي إنسان ناجح مع التجارب الفاشلة في حياته سنتمكن من تعلم الكثير من الفشل البناء، وسأوضح لكم بعض المواصفات التي يجب أن تختار منها ما يصف طريقة تعاملك مع الفشل، فعندما يكون الفشل بناءً فسوف تتصف بـ “تحمل المسؤولية، التعلم من كل خطأ، الاحتفاظ بنظرة إيجابية للأمور، تحدي الإفتراضات القديمة، القيام بمخاطرات جديدة، المثابرة”. وعندما يكون الفشل هداماً فسوف تتصف بـ “إلقاء اللوم على الآخرين، تكرار نفس الأخطاء، الإستسلام للعادات والتقاليد دون تفكير، تكرار عبارة أنا فاشل، التسويف غير المبرر”. أريد منك أن تُفكر بأحد الإخفاقات الحديثة التي تعرضت لها، كيف كانت استجابتك؟ لا يهم كم كانت مشاكلك معقدة، فسر التغلب عليها ليس بتغيير ظروفك ولكن بتغيير نفسك. ذلك الأمر- بحد ذاته – عملية مستقلة تبدأ برغبة في التعلم. اذا وجدت لديك الرغبة في ذلك، فسيمكنك التعامل مع الفشل، بدءاً من هذه اللحظة إلتزم بأداء ما يتطلبه الأمر لتجعل فشلك بناءً.
إن الفشل ليس معناه أنك قد حصلت على شهادة فاشل، ولا تعنى أن العالم يوجه إليك أصابع الإتهام، أو ينظر إليك بنظرة إستنكارية وريبة، ليس معناه أنه قد كُتب عليك أن ترضى برداء الخزى، وتقضى بقية عمرك فى صفوف المثبطين الفاشلين.. كلا إنها تجربة.. وليست النتيجة النهائية.. موقعة وليست الحرب، مرحلة وليست نهاية المطاف، وصدقنى أضواء النجاح لن تكون باهرة إن لم يسبقها شىء من ظلام الفشل. ومن هذا كله يتضح أن الإرادة هي سر النجاح وهي الحد الفاصل بين النجاح والفشل فصاحب الإرادة يقدر على نفسه وعلى الشيطان وفاقد الإرادة ينهزم أمام نفسه وأمام الشيطان.
الحياة طويلة جداً لمن لا يعمل. نعم ذلك ما يدور في عقلي مراراً، إذا كان يومك يمضي ببطء فراجع نفسك، هناك خلل ما ويجب عليك إصلاحه، أعد ترتيب أولوياتك ثم ابدأ السباق، ولا تنشغل بالحواجز البسيطة، لن تنجح إن فعلت ذلك. ركز على خط النهاية، وعش متعة المغامرة، فمن يملك القدرة على المغامرة هو من سيملك القوة بالمستقبل، الضعفاء فقط هم من يبقون على حالهم.
الدكتور / رمضان حسين الشيخ
الرئيس التنفيذي لـ شـركة تبيان التعليمية
إستشاري الإدارة والتطوير التنظيمي والموارد البشـرية
مصمم منهج فرسان التميز لتغيير وتطوير المؤسسات