ماذا قدمت في حياتك..؟!
يقول الكاتب الكبير مصطفى الرافعي في كلمته العظيمة “إن لم تزد على الدنيا كنت أنت زائدا عليها” بمعنى إن كان وجودك في هذه الحياة لمجرد أنك بشر وأنك وجدت نفسك تعيش على هذه البسيطة دون تميز أو إضافة تجعلك مختلفا عن الآخرين ودون أن تقدم أي شيء يذكر لخدمة دينك أو وطنك أو مجتمعك وفي هذه الحالة يضعك الكاتب في خانة “الزائدين على الدنيا”.. هذا الصنف من الناس هم أولئك العاديون الذي لا هم لهم إلا الحياة بكل بساطة وبعد ذلك الموت بشكل عادي دون أي إضافة وفي حالة وجود الهموم فإنها هموم يومية تخص السكن والأكل والعمل فقط ولا شأن لهم في أي شيء يذكر في هذه الحياة.
ومنذ سنوات قد قرأت كتاباً بعنوان “مائة طريقة لتحفيز نفسك” للمفكر العالمي “ستيف تشاندلر” وقد أوضح فيه أثناء عمله مع المعالجة النفسية “ديفرز براندين” قائلاً على لسانه عمدت هذه السيدة إلى إخضاعي لتدريب كانت تقوم به وهو تدريب “فراش الموت” وطلبت مني أن أتخيل نفسي بوضوح وأنا نائم على فراش الوفاة وأن أتقمص تماماً المشاعر المرتبطة بالاحتضار والوداع، ثم طلبت مني بعد ذلك أن أدعو كل شخص يهمني في الحياة كي يزورني وأنا راقد على فراش الموت على أن يأتي كل على حدة، وبينما كنت أتخيل كل صديق وقريب وهو يأتي لزيارتي.
كان علي أن أتكلم مع كلً بصوت عالٍ. كان علي أن أقول له ما كنت أريده أن يعرف ثم احتضر، وخلال حديثي مع كل شخص استطعت أن أشعر بصوتي وهو يتغير، ولم يكن بوسعي أن أتفادى البكاء فغرورقت عيناي بالدمع، واستشعرت إحساسا بالفقدان، ولم أكن حينها أبكي حياتي وإنما أبكي على الحب الذي سأفقده بالوفاة وبشكل أدق كان بكائي تعبيراً عن حب لم أعبر عنه قبل ذلك، وخلال هذا التدريب الصعب عرفت حقاً حجم ما افتقدته من حياتي، كما عرفت كم المشاعر الرائعة التي كنت أدخرها لأطفالي على سبيل المثال، ولكني لم أعبر عنها صراحة قبل ذلك.
وبنهاية التدريب تحولت إلى كتله من العواطف المختلفة فقلما بكيت بمثل هذه الحرارة من قبل أما حينما تحررت من هذه العواطف حدث شيء رائع اتضحت الأمور أمامي، فعرفت ما هي الأشياء المهمة وما هي الأشياء التي تعنيني حقاً وللمرة الأولى فهمت ما الذي كان “جورج باتون” يعنيه بقوله: (قد يكون الموت أكثر إثارة من الحياة).. ومنذ ذلك اليوم عاهدت نفسي أن لا أدع شيئاً للصدفة وقررت أن لا أدع شيئاً دون أن أعبر عنه وأصبحت لدي الرغبة في أن أعيش كما لو كنت سأموت في أي لحظة، وقد غيرت هذه التجربة برمتها أسلوب تعاملي مع الناس، وأدركت مغزى التدريب، ليس علينا أن ننتظر لحظة الموت الحقيقية حتى نستفيد من مزايا إنتقالنا إلى حياة أخرى، وبإمكاننا أن نعيش هذه التجربة في أي وقت نريده.
عزيزي القارئ: هل قدمت شيئاً جديداً يفيدك في الحياة؟.. هل قدمت شيئا جديدا يفيد أسرتك في الحياة؟.. هل قدمت شيئاً جديداً يفيد مجتمعك وبلدك في الحياة؟.. هل قدمت شيئاً جديداً يفيد دينك ورسالتك في الحياة؟ أم أنت تعيش فقط لإنتقاد الناس والبحث عن عيوبهم وأخطائهم وتنسى نفسك وتمضي بك الحياة! وتذكر دائماً أنك أول ما ستسأل عنه يوم القيامة عن: عمرك فيما أفنيته، ووقتك الذي أعطاه الله لك فيما أفنيته وفي ماذا إستخدمته؟
وليسأل كل واحد منا ماذا أضاف في هذه الدنيا؟ وهل يملك نقطة تميز تجعله مختلفاً عن مليارات البشر؟ وهل يرغب في مواصلة حياته بهذا الشكل الضائع؟ وهل هو من أولئك الأشخاص الذين يتفاخرون بالإنجاز الصغير رغم أن سنواته ضائعة سدى دون أي تغيير أو إضافة؟ والسؤال الأخير هل زدت شيئاً على الدنيا أم أنك زائد عليها؟
أتمنى أن نكون أفضل دائماً ومهما كان حجم الإنجازات والإخفاقات التي في حياتنا ولكن من الجميل أن تكون لنا وقفة لتطوير ذواتنا ولتأهيل أنفسنا بشكل أفضل بحيث نكون مواكبين للتطور الهائل الذي يحدث حوالينا ولنتذكر تلك المقولة الرائعة وهي “إذا لم تكن الأول فأجعل من يسبقك يُحطم الرقم القياسي”.
بعض الناس يرفض التغيير لأسباب سطحية وفي بعض الأحيان لمجرد العناد فعندما تخبره عن طريقة أو أسلوب أو مشروع يستطيع من خلاله تصنيف نفسه في قائمة الناجحين بدل أن يتصدر قائمة الفاشلين تجده رافضاً وكارهاً لكل ما تطرحه لمجرد العناد فقط وليس لشيء آخر.
تخيل نفسك أخي الكريم وقد بلغت من العمر ثمانون سنة، وأجري معك لقاء من جهة إعلامية وسئلت عن إنجازاتك التي أنجزتها في حياتك، وعن الخدمات التي قدمتها لمجتمعك ولبلدك، وعن الناس الذين ساعدتهم ووقفت بجانبهم، وعن أبنائك ما الذي بذلته في تربيتهم وتنشئتهم، وعن والديك ما الذي منحته لهم وما أصناف البر التي قدمتها لهم.. فما الذي ستجيب به على تلك التساؤلات؟ تخيل نفسك في هذا الموقف واستشعر أحاسيسك ومشاعرك، واعلم أنك الآن في الزمان والمكان الملائمين وتستطيع فعل الكثير من الأشياء الجميلة والإيجابية وتقديم الكثير من العون والخدمة والمساعدة للآخرين.
كم نحن أيها الأحبه بحاجة إلى أن نعيش تلك اللحظات ونتخيل هذا المصير وتمتلئ أفئدتنا بالمشاعر الإيجابية الرائعة تجاه الناس والحياة والأبناء والوالدين، كم نحن بحاجة إلى خدمة الناس وتقديم العون لهم فإن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
نصيحتي لنفسي ولجميع من يقرأ هذه الكلمات أن نستفيد من كل الأشخاص حوالينا بغض النظر عن تاريخهم وعن ماضيهم وعن أي شيء فالفائدة والتميز لا تنتظر تاريخ الآخرين كل ما عليك أن تنظر لنفسك وتستفيد من تجارب الآخرين ولا تقول أنك تنتظر أن تجرب كل شيء حتى تتعلم، فإنك لن تعيش طويلاً.
عزيزي القارئ: عليك قبل أن تسأل الآخرين ماذا قدموا لك؟ أن تسأل ذاتك، ماذا قدمت أنت لنفسك؟! عليك أن تؤمن بنفسك وذاتك وتؤمن بأن خريطة التميز والنجاح تتسع للجميع، وأن المجد والنجاح حق مشاع وليس إرثاً لأحد دون الآخر، لكن لا يمكن أن تنال المجد والنجاح دون أن تملك سلاحاً سلمياً مشروعاً تتسلح به اسمه “الإرادة، والطموح، والمثابرة، وتطوير الذات”، ومن لا يملك هذه الأسلحة السلمية فهو كالجندي الذي يُدلف لأرض المعركة مجرداً من سلاحه، وسيكون مصيره لاشك الهزيمة والسقوط. كما يجب أن تحرر نفسك من عبودية الذات وعبودية الظروف وعبودية الإحباط، فهذه الصفات هي أسوأ عبودية يواجهها الإنسان، وهي العدو الخفي الذي يقتل كل طموحاته ويحطم أهدافه، فعندما تتحرر منها فثق أنك ستنتصر على كل المعوقات وتتخطى كل العقبات.
عليك أن تسأل نفسك دائماً: هل الناس الذين نجحوا ليسوا بشراً مثلك؟! فليس هناك ناجح بالفطرة، أو فاشل بالفطرة، إنما الناجحون هم من اكتشفوا قدراتهم وطوّروها، وآمنوا بالمثابرة والكفاح ورسموا لأنفسهم أهدافاً، أما الفاشلون فهم من ظلوا أسرى عبودية الكسل والخمول وعدم الطموح. كل ما هو مطلوب منك أن تصقل قدراتك وتؤهل نفسك علمياً ومهنياً وفكرياً، عندها ستكون مورداً بشرياً مطلوباً، تستقطبك الشركات الاقتصادية الكبرى وتشتري منك قدراتك وأفكارك ووقتك مقابل إمتيازات مادية ومعنوية هائلة، وستجد نفسك سطراً مدويّاً في وسط صفحة المجد والمجتمع.
يقول المفكر علي الهويريني رحمه الله : “من طرح سؤالاً في خلق الله سيجيبه الله في خلق آخر”، إنتبه لإشارات الطريق، لأغاني الراديو، للمحطات التلفزيونية، لكل شيء تتذّكره فجأة، الأشخاص الذين تلتقيهم أو تجلس بجانبهم، أغلب ما ذكرت يحمل لنا أشياء تساعدنا على إيجاد أنفسنا. هناك أشخاص ذوو توجيه إلهي يبعثهم الله خصيصاً لنا من حين لآخر لمساعدتنا على إيجاد طريقنا. مفتاحك قد يكون بين أيديهم، هو ربما أمامك لكنك لم تلحظه لإنشغالك عن ذاتك بأشياء أخرى، قد تكون فكرة تأتيك وأنت تستحم، وقد تكون إشارة أحسست في داخلك أنها ما ينقصك لكننك لا تنصت لأنّك لم تتعود على الإنصات أصلاً.
فما أجمل أن تكون أهدافك وطموحاتك سباق تتابعٍ كلما تجاوزت مرحلة سلمت لنفسك راية كفاح وتحدٍّ جديد، عندها ستجد نفسك في عاصمة النجاح ممتطياً صهوة المجد.
الدكتور / رمضان حسين الشيخ
الرئيس التنفيذي لـ شـركة تبيان التعليمية
إستشاري الإدارة والتطوير التنظيمي والموارد البشـرية
مصمم منهج فرسان التميز لتغيير وتطوير المؤسسات